دخلت تكنولوجيا المعلومات في كافة الأعمال وكانت غايتها تطوير العمل الاداري وتسريعه وإتخاذ القرار الصحيح أعتمادا على دقة المعلومات المتوفرة ومركزيتها في الخزن والادامة والاسترجاع. تطورت المجتمعات نتيجة لاستخدام اساليب جديدة في العمل مهمتها المحافظة على صحة المعلومات وخصوصيتها. يتميز عالمنا اليوم بالتطور والتجديد حيث اصبحت فيه تكنولوجيا المعلومات والشبكات أهم سلاح للبروز والتفوق والارتقاء في شتى المجالات. ان الانترنت وتطبيقاته قد حقق انتشارا عالميا واصبح التواصل عن طريق البريد الالكتروني بديلا عن البريد التقليدي حتى في التعاملات الاقتصادية والتجارية، وفتح المجال للتجارة الالكترونية في كثير من بلدان العالم واصبحت هناك قوانين تنظم هذه العملية، مما أدى إلى أن تكون هناك فجوة كبيرة بين دول العالم المتقدمة والدول الاخرى.
يعيش عالمنا العربي هذه الفجوة الرقمية نتيجة للعجز الكبير في النظم الادارية والتي اصبحت لا تواكب التطور السريع الحاصل في العالم، لهذا لجأت معظم المجتمعات العربية إلى تبني فكرة الإدارة الالكترونية من أجل اللحاق بالعالم المتطور. لا يمكن التصور بأن عملية تنفيذ هذه الفكرة ستكون سهلة نتيجة للأعراف السائدة في مجتمعاتنا العربية من إدارة بيروقراطية وعدم توفر الشفافية والتي تصطدم مباشرة مع فكرة الإدارة الالكترونية التي تعتمد على هذين المبدأين. إن تطبيق الحكومة الالكترونية أو التجارة الالكترونية أو التعلم الالكتروني أو الانتخاب الالكتروني سوف يعتمد على ثقافة تعامل المستخدم والادارة.
ثانيا: الالكترونية
يقصد بالادارة الالكترونية هي الادارة التي تكون غير مقيدة بزمان محدد فقد اصبح العالم اليوم يتعامل ويعمل بالوقت الحقيقي يعني 24 ساعة في اليوم و7 ايام في الاسبوع وكذلك يقصد بها الادارة الغير مقيدة بمكان محدد حيث يمكن الوصول إلى المعلومات من أي مكان وخاصة باستخدام الهواتف المحمولة والتي اصبح لها عنوان وخاصة في بروتوكول الانترنت الجديد IPv6. كذلك يقصد بالادارة الالكترونية أن تكون بدون استخدام ورق فهي تشمل الارشيف الالكتروني والبريد الالكتروني والرسائل الصوتية والأدلة والمفكرات، أنها تشمل مجموعة من الاساسيات حيث يوجد الورق ولكن لايستخدم بكثرة. يمكن اعتبارها أيضا على أنها ادارة بدون تنظيمات جامدة حيث بدأت المؤسسات الذكية بالاعتماد على عمال المعرفة.
من سمات الادارة الالكترونية الناجحة هو الاستخدام المكثف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتكون الوسط الاساسي للعمل، وكذلك عدم وجود وثائق ورقية والتي يستعاض عنها بالوثائق الالكترونية وأهم شيء هو عدم وجود علاقة مباشرة بين طرفي المعاملة، كذلك إمكانية تنفيذ كافة المعاملات الكترونيا والتفاعل الجمعي أو المتوازي للمستخدمين.
ثالثا: الالكترونية في العالم العربي
شكل تطوير الإدارة الألكترونية محور اساسي لاستراتيجيات الدول العربية الالكترونية والذي يشمل التسريع باستخدام تكنولوجيا الأعلام والاتصالات في الادارات العمومية وذلك من خلال إدخال هذه التكنولوجيا الجديدة وتعزيز استعمالها على مستوى الادارة العمومية. يؤدي تطبيق هذا المحور إلى حصول تغيير جذري لأنماط التنظيم وعمل الادارة العامة وحملها على تبسيط نمط سيرها وخدمة المواطن بطريقة أكثر ملائمة لاسيما من خلال ادراج مختلف خدماتها عبر الانترنت. يترجم هذا المحور الاستراتيجي أيضا أرادة سياسية واضحة لتطوير العديد من الخدمات الالكترونية في الادارات العامة في صالح المواطنين والمؤسسات.
توجد معوقات عديدة في تطبيق الادارة الالكترونية في العالم العربي حيث يقول بعض الباحثين بأن الادارة الالكترونية ستقضي على البيروقراطية وهذا صحيح حيث تقضي وتعمل على الغاء دور الموظفين الوسطاء ، لكن القضاء على بعض فئات البروقراطية الحكومية يخلق بيروقراطية من نوع آخر تسمى البيروقراطية الالكترونية. تبقى البيروقراطية الجديدة أفضل من البيروقراطية الحالية وهي أكثر شفافية واكثر سرعة من التعاملات الورقية.
يمكن توضيح بعض المعوقات الموجودة في العالم العربي والتي تشمل الآتي:
أ. غياب التشريعات القانونية المناسبة.
ب. عدم توفر وسائل الاتصالات المناسبة.
ت. معوقات انتشار الانترنت (عدم وجود البنية التحتية) واللغة الانكليزية.
ث. قلة وعي المواطنين بالميزات المرجوة.
ج. تداخل المسؤليات وضعف التنسيق.
ح. غياب الشفافية ونفوذ مجموعات المصالح الخاصة.
خ. الخوف من التغيير.
يمكن التغلب على هذه المعوقات أذا توفرت النية السليمة من تخطيط سليم وتهيئة الكوادر المتخصصة ونشر الثقافة الحاسوبية بين افراد الشعب ووضع النظام الامني الالكتروني الصحيح الذي يحفظ خصوصية وحقوق المواطن، اضافة إلى تثقيف الموظفين بطبيعة العمل الجديد وكيف يتم تقديم الخدمة الصحيحة والسريعة والشفافة للمواطنين.
توجد سلبيات أيضا عند تطبيق الادارة الالكترونية، لانها ستحتاج إلى تدقيق مستمر ومتواصل لتأمين استمرار تقديم الخدمات بأفضل شكل ممكن مع الاستخدام الامثل للوقت والمال والجهد، آخذين بنظر الاعتبار وجود خطط بديلة أو خطة طواريء في حال تعثر الادارة الالكترونية في عملها لسبب من الاسباب أو لسلبية من السلبيات المحتملة في تطبيق الادارة الالكترونية والتي هي بشكل عام ثلاث سلبيات رئيسية وهي: التجسس الالكتروني، وزيادة التبعية، وشلل الادارة.
رابع: العالم العربي
من أهم التجارب العربية الناجحة في مجال تطبيق الادارة الالكترونية هي حكومة دبي الالكترونية حيث خطت خطوات كبيرة في هذا المجال. يمكن القيام الان بعدد كبير من المعاملات دون أن تغادر كرسي مكتبك، إذ يمكن دفع الرسوم وكل ما تحتاج اليه المعاملة من استمارات وطوابع وغيرها بسهولة عن طريق الانترنت. لكون دبي هي مركز تجاري عالمي فقد تم تفعيل الدرهم الالكتروني والذي ساهم في تسريع عملية التحول إلى الحكومة الالكترونية.
خطت حكومة مملكة البحرين خطوات كبيرة في الادارة الالكترونية وذلك من خلال الحكومة الالكترونية حيث تتم معظم المعاملات عن طريق الانترنت والبوابات الالكترونية. معظم دول الخليج العربي ساهمت في انشاء الادارات الالكترونية نتيجة لانفتاحها على العالم الغربي ومواكبتها للتطور الحاصل في هذه الدول.
أما في الجزائر فقد كان الموضوع حلما يتحقق في الوقت الحالي على الرغم من انه يعتبر أمرا اعتياديا للكثير من الدول المتقدمة وحتى بعض دول العالم الثالث كدول أمريكا اللاتينية التي استفادت كثيرا من الولايات المتحدة الامريكية بحكم القرب الجغرافي. قامت الجزائر بخطوات نحو تطوير الادارة الالكترونية، فقطاع العدالة على سبيل المثال أنشأ بوابات ألكترونية تسمح لأي مواطن باستخراج شهادة السوابق العدلية بغض النظر عن مكان أقامته أو ولادته وهذا تقدم يحسب لقطاع العدالة، وكذلك الامر لوزارة البريد وتكنولوجيا الاتصال من خلال استخدام نظام البطاقات بين بنكية "ساتيم" الذي يسهل للزبون سحب أمواله من أي وكالة بنكية أو بريدية، خاصة كانت أو عمومية. وكذلك سارت الجزائر في طريق استخدام تطبيقات جديدة مثل الضمان الاجتماعي وقطاع التعليم العالي والبحث العلمي.
أما بالنسبة إلى فلسطين فقد كانت الحكومة الالكترونية خيار لا بديل عنه في ظل التطور الذي يشهده العالم في القطاع التقني. لفلسطين خصوصية شديدة في الحكومة الالكترونية، نظرا لحالة الحصار التي يعاني منها الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال، حيث كان البحث عن مجالات الاتصال بجمهور المتعاملين مع الدوائر الحكومية والعالم ضروريا وكان الخيار الالكتروني هو الحل.
أعتقد بأن الادارة الالكترونية في العالم العربي هو خيار لابد منه حتى تستطيع هذه الدول مواكبة التقدم التكنولوجي في العالم وتهيئة الانسان العربي للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة والتي اصبحت ثقافة الشعوب.
* مجلة اخبار الادارة، المنظمة العربية للتنمية الادارية، جامعة الدول العربية، العدد 69، أغسطس 2011